عاشقة الجنان عضو مميز
مشاركات العضو : 95 العمر : 34 نقاط : 127
| موضوع: وقفة مع آية من كتاب الله للتفكر والتدبر الإثنين أبريل 06, 2009 11:27 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقفة مع آية من كتاب الله للتفكر والتدبر
(كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون)
(( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) (سورة يونس - آية24)
لما كان سبب ما ذكر من البغي في الأرض وإفساد العمران ، هو الإفراط في حب التمتع بما في الدنيا من الزينة واللذات ، ضرب لها مثلا بليغا يصرف العاقل عن الغرور بها ، ويهديه إلى القصد والاعتدال فيها ، واجتناب التوسل إليها بالبغي والظلم ، وحب العلو والفساد في الأرض ، وهو عبارة عن تشبيه زينتها ونعيمها في افتتان الناس بهما وسرعة زوالهما بعد تمكنهم من الاستمتاع بها ، بحال الأرض يسوق الله إليها المطر فتنبت أنواع النبات الذي يسر الناظرين ببهجته ، فلا يلبث أن تنزل به جائحة تحسه وتستأصله قبيل بدو صلاحه والانتفاع به ، قال عز وجل :
(إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء) أي لا شبه لها في صورتها ومآلها إلا ماء المطر في جملة حاله الآتية (فاختلط به نبات الأرض) أي فأنبتت الأرض أزواجا شتى من النبات تشابكت بسببه واختلط بعضها ببعض في تجاورها وتقاربها ، على كثرتها واختلاف أنواعها (مما يأكل الناس والأنعام) بيان لأزواج النبات وكونها شتى كافية للناس في أقواتهم ومراعي أنعامهم ، وكل مرامي آمالهم (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت) أي حتى كانت الأرض بها في خضرة زروعها السندسية ، وألوان أزهارها الربيعية ، كالعروس إذا أخذت حليها من الذهب والجواهر ، وحللها من الحرير الملون بالألوان المختلفة ذات البهجة ، فتحلت وازينت بها استعدادا للقاء الزوج - ولا تغفل عن حسن الاستعارة في أخذ الأرض زينتها ، حتى كان استكمال جمالها ، كأنه فعل عاقل حريص على منتهى الإبداع والإتقان فيها (صنع الله الذي أتقن كل شيء)
( وظن أهلها أنهم قادرون عليها ) متمكنون من التمتع بثمراتها ، وادخار غلاتها ( أتاها أمرنا ليلا أو نهارا ) أي نزل بها في هذا الحال أمرنا المقدر لإهلاكها ؛ بجائحة سماوية ليلا وهم نائمون ، أو نهارا وهم غافلون ( فجعلناها حصيدا ) أي كالأرض المحصودة التي قطعت واستؤصل زرعها ، فالحصيد يشبه به الهالك من الأحياء ، كما قال في أهل القرية الظالمة المهلكة : (جعلناهم حصيدا خامدين) ويشبه هذا الهلاك في نزوله في وقت لا يتوقعه فيه أهله قوله : (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون)
(كأن لم تغن بالأمس) أي هلكت فجأة فلم يبق من زروعها شيء ، حتى كأنها لم تنبت ولم تمكث قائمة نضرة بالأمس ، يقال : غني في المكان إذا أقام به طويلا كأنه استغنى به عن غيره ، قال تعالى في الأقوام الهالكين في أرضهم : (كأن لم يغنوا فيها) والأمس : الوقت الماضي . وقال الزمخشري في الكشاف : والأمس مثل في الوقت القريب ، كأنه قيل : كأن لم تغن آنفا انتهى . وأما أمس غير معرف فهو اسم لليوم الذي قبل يومك
(كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) أي كهذا المثل في جلائه وتمثيله لحقيقة حال الحياة الدنيا وغرور الناس فيها وسرعة زوالها ، عند تعلق الآمال بنوالها ، نفصل الآيات في حقائق التوحيد ، وأصول التشريع ، وأمثال الوعظ والتهذيب ، وكل ما فيه صلاح الناس في عقائدهم وأنفسهم وأخلاقهم ومعاشهم ، واستعدادهم لمعادهم ، لقوم يستعملون عقولهم وأفكارهم فيها ، ويزنون أعمالهم بموازينها ، فيتبينون ربحها وخسرانها .
والعبرة لمسلمي عصرنا في هذه الآيات البينات المنزلة وأمثالها ، التي اهتدى بها الشعب العربي فخرج من شركه وخرافاته وأميته وبداوته إلى نور التوحيد والعلم والحكمة والحضارة ، ثم اهتدى بدعوته إليها الملايين من شعوب العجم ، فشاركته في هذه السعادة والنعم _ أنه لم يبق لهم حظ منها إلا ترتيلها بالنغمات في بعض المواسم والمآتم ، ولا يخطر لهم ببال أنه يجب عليهم التفكر للاهتداء بها ، ولو تفكروا لاهتدوا ، وإذا لعلموا أن كل ما يشكو منه البشر من الشقاء بالأمراض الاجتماعية والروحية ، والرذائل النفسية ، والعداوات القومية ، والحروب الدولية ، فإنما سببه التنافس في متاع هذه الحياة الدنيا ، وأن من تفكر في هذا وكان على بصيرة منه ، فهو جدير بأن يلتزم القصد والاعتدال في حياته الدنيوية المادية ، ويصرف جل ماله وهمته في إعلاء كلمة الله وعزة أهل ملته ، وقوة دولته ، والاستعداد لآخرته ، فيكون من أهل سعادة الدارين .
وما صرف الناس عن هذا الاهتداء بكتاب الله ، وهو أعلى وأكمل ما أنزله الله ، إلا علماء السوء المقلدون الجامدون ، وزعمهم الباطل أنه لم يبق في البشر أحد أهلا للاهتداء به وببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - له ؛ لأن هذا يتوقف على ما يسمونه الاجتهاد ، ويزعمون أنه أصبح ضربا من المحال ....
من تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله
(11 / 284 - 287)
لاتنسونا من دعوة فى ظهر الغيب
منقوووووووووووووووووووووول | |
|
نبض الحماس عضو مميز
مشاركات العضو : 45 العمر : 38 نقاط : 60
| موضوع: رد: وقفة مع آية من كتاب الله للتفكر والتدبر الأربعاء أبريل 08, 2009 9:24 pm | |
| | |
|
أبو أيمن المقدسى المدير العام
مشاركات العضو : 185 نقاط : 577
| موضوع: رد: وقفة مع آية من كتاب الله للتفكر والتدبر الخميس أبريل 09, 2009 5:54 pm | |
| شكرا يا أختي على الموضوع الرائع جداً
بارك الله فيك يا أختي عاشقة الجنان
وجزاك الله خيراً | |
|
عاشقة الجنان عضو مميز
مشاركات العضو : 95 العمر : 34 نقاط : 127
| موضوع: رد: وقفة مع آية من كتاب الله للتفكر والتدبر الأحد أبريل 12, 2009 4:48 am | |
| شكرا يا أختي نبض الحماس وأخي أبو أيمن على هذا المرور الكريم | |
|