انقضت أعمال "الملتقى العربي الدولي لحق العودة"، الذي التأم في قصر المؤتمرات بدمشق، وشاركت في أعماله خمسة آلاف شخصية، يتقدمهم عدد من كبار القادة الفلسطينيين والشخصيات العربية وبرلمانيين وسياسيين وممثلي مجتمع مدني من أوروبا وأنحاء العالم.
وللوقوف على أهمية الانعقاد ودلالات النجاح التي حظي بها الملتقى، وبعض ما رافقه من ردود أفعال وما يمكن البناء عليه من توقعات مستقبلية، التقى "المركز الفلسطيني للإعلام" القيادي الفلسطيني ماجد الزير، المدير العام لمركز العودة الفلسطيني، ورئيس مؤتمر فلسطينيي أوروبا، وعضو لجنة المتابعة التحضيرية للملتقى العربي والدولي لحق العودة، فكان هذا اللقاء.
الرسالة المركزية
ـ انقضت أعمال الملتقى العربي الدولي لحق العودة، فما هي الرسالة المركزية التي ترى أنّ الملتقى الكبير قد خرج بها؟
ماجد الزير: هي في الواقع جملة من الرسالة الجوهرية التي يعضد بعضُها بعضاً. فقد كان الملتقى مؤتمراً تاريخياً مشهوداً، تقدّم بقضية فلسطين بأبعادها كافة؛ البعد الفلسطيني، والبعد العربي، والبعد الإسلامي، والبعد العالمي.
لقد برهن الملتقى على أنّ الدفاع عن حقّ العودة، والعمل على إنفاذه بكل السبل؛ جديران بالتفاف طاقات أبناء الأمّة وأحرار العالم، باعتبار ذلك التزاماً أخويّاً، ومسؤولية تضامنية، وواجباً إنسانياً، ودوراً حضارياً، نحو حقّ مركزي ضمن هذه القضية المركزية.
جانب آخر أنّ هذا الملتقى أسّس في الواقع لجولة أوسع وأكثر زخماً، من حشد كلِّ الجهات والفعاليات والقوى الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية، خلف مطلب العودة الفلسطيني. وأسهم الملتقى في الدفع نحو تطوير المؤسسات والآليات والوسائل اللازمة لذلك، وتحقيق إجماع عالمي على ضرورة تطبيق حق العودة، في إطار تحقيق العدالة والقانون الدولي.
أستطيع القول إنّ هذه التظاهرة الهامّة؛ الهامّةَ في الدائرة الفلسطينية، وفي الدائرة العربية، وفي الدائرة الإسلامية، وفي الدائرة الأمميّة؛ بعثت برسالة بليغة، عميقة الدلالة، مؤكدة الوصول في الاتجاه الصحيحِ لحركة التاريخ.
وأودّ أن أشير بصفة خاصة إلى أهمية إعلان دمشق العالمي لحماية حق العودة، الصادر عن الملتقى، فهو يمثل حصانة إضافية لحق العودة تبطل مفعول سيل الإعلانات والمبادرات التي تسقط حق العودة .
فلسطينيو العراق و"نهر البارد"
ـ وماذا عن الانشغالات التفصيلية والإضافية التي عني بها الملتقى؟
الزير: لا شكّ أنّ الملتقى تناول قضية فلسطين بأبعادها شتى على سبيل العموم، ووقف عند ملفات ومفاصل محددة منها. وإنّ مجرّد صدور سبع رسائل عن الملتقى العربي الدولي لحق العودة، مما يعبِّر عن تفاعل هذه التظاهرة الكبرى مع مفاصل القضية الفلسطينية وتطوّراتها الملحّة من جانب، كقضية القدس، وقضية الأسرى، ومسألة حصار غزة، وأنها من جانب آخر تبدي تواصلاً واهتماماً مع قضايا المنطقة كتفاعلات قضية العراق والملف اللبناني وسورية البلد المضيف .
ولا بدّ من الإشارة إلى عناية الملتقى بصفة خاصة بملفين اثنين يشكِّلان همّاً كبيراً. أولهما وضع اللاجئين الفلسطينيين في العراق والنازحين منه، والثاني وضع مخيم نهر البارد المدمّر .
وقد شاركت وفود فلسطينيي العراق ولبنان بفعالية في أعمال الملتقى، كما تم تخصيص أجنحة موسّعة عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين في العراق والنازحين منه، ضمن معارض الملتقى. والرسالة في هذا الشأن هي أنّ فلسطينيي العراق ليسوا وحدهم، وهناك انشغال بالغ بمعاناتهم التي تدمي القلوب، كما أنّ قضية إعادة إعمار مخيم نهر البارد لا تقبل مزيداً من التسويف والمماطلة .
ـ وماذا عن البُعد الدولي في المؤتمر؟
الزير: البُعد العالمي حاضر في أعمال المؤتمر، وفي طبيعة المشاركين، وفي مقرّراته، وفي ما تمخّض عنه من تصوّرات وآفاق. إنّ قضية حق العودة تفرض نفسها مع هذا الملتقى على الصعيد العالمي أكثر من أي وقت مضى، وأحسب أنّ الرسالة وصلت.
ولا شكّ أنّ أعمال الملتقى والمعالجات التي تمّت خلاله توفر زخماً كبيراً لخطاب العودة الفلسطيني في توجّهه للعالم، مع الأخذ بعين الاعتبار وفرة أوراق العمل والمداخلات التي تخللت أعمال الملتقى.
وقد لفت الانتباه حضور شخصيات غربية رفيعة المستوى، من برلمانيين وأكاديميين وصحفييين، من مثل عضو مجلس اللوردات البريطاني مهاتير محمد، والناطقة الرسمية باسم حزب الديموقراطيين الأحرار في مجلس اللوردات ذاته، وقيادات برلمانية من عدة دول. وقد عاد هؤلاء البرلمانيون والسياسيون ليحملوا رسالة الملتقى ورسالة العودة إلى أوطانهم، فمثلاً القيادات البرلمانية اليونانية عادت مباشرة لتتحدث في اليوم التالي في جلسة البرلمان اليوناني المفتوحة، والتي ناقشت الميزانية، عن المشاركة في ملتقى العودة، وضرورة وقوف اليونان بشكل فاعل إلى جانب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، كما جرى التطرّق في الكلمة ذاتها إلى خطورة حصار غزة وضرورة كسره بكل السبل.
ـ وبالطبع؛ فإنه لا مجال لاسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مركزها وفي صميمها حقّ العودة الثابت والراسخ؛ إلاّ بتوظيف شتى الأبعاد لخدمة القضية الفلسطينية .
ولعلّ إحدى التأكيدات اللافتة للانتباه أنّ الشعب الفلسطيني لن يتهاون مع أي محاولة كانت للمساس بحقوقه الثابتة، ومن أبرزها حقُّ العودة، بغضّ النظر عن المتورِّطين أو صفاتهم.
العودة في مركز المشروع الوطني
ـ وما الذي يعنيه لذلك بالنسبة للساحة الفلسطينية بأطرافها كافة؟
الزير: المسألة الجوهرية في هذا الشأن هي أنّ التمسك بحق العودة كان ولا زال وسيبقى؛ من أولويات المشروع الوطني الفلسطيني، بجهاده ونضالاته، بتضحياته وتطلعاته المشروعة. بل إنّ الشعب الفلسطيني في تشبّثه بحق العودة؛ يبرهن للجميع أنّ هذا الحقّ مؤشِّر حاسم على وطنيّة أيّ منهج، واختبار دقيق لصوابية أي أداء.
ملتقى له ما بعده
ـ لكن هناك شكوى مألوفة من أنّ المؤتمرات والملتقيات تنفضّ دون متابعات، فما الذي لديكم لتقدموه بعد الملتقى العربي الدولي لحق العودة؟
الزير: بداية؛ انعقاد هذا الملتقى الكبير وبهذا النجاح اللافت للانتباه، يمثل تظاهرة غير مسبوقة في إسناد حق العودة الفلسطيني، وهو بحدّ ذاته نجاح لا ينبغي التقليل من أهميته. فنحن ندرك جيداً ما تحقّق، ونعي تماماً ما ينبغي البناء عليه من المكتسبات، سواء في الملتقى أم في فعاليات إحياء ستينية النكبة، بكلّ ما تخللتها من جهود رائعة.
ومع ذلك فإننا ندرك أنه بعد هذا الملتقى هناك الكثير مما ينبغي القيام به. فالاستحقاقات كثيرة، والواجبات عسيرة. فالوقت الآن هو وقت الفعل التراكميّ، والجهود المركّزة، والبرامج الفاعلة التي تستوعب الطاقات، وتصنع الحدث، وتفرض جدول الأعمال اللائق بقضيّتنا.
وهناك بعد أيام قليلة من انقضاء الملتقى جهود تواصلية واسعة، ستثمر بإذن الله زخماً كبيراً ومتطوِّراً في خدمة قضية العودة، ولا نريد استباق التطوّرات، لكن أؤكد أنّ هناك حراكاً إيجابياً عابراً لقارّات العالم.
الحانقون من ملتقى العودة الدولي
ـ قوبل النجاح الكبير الذي سجّله الملتقى العربي الدولي لحق العودة بموجة من الحنق والغضب لدى جناح السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس وحركة "فتح". كيف تعلِّق على ذلك؟
الزير: بداية لا بد من الانتباه إلى أنّ قيادات بارزة من حركة "فتح" حضرت الملتقى وشاركت في أعماله، ويكفي أن نشير مثلاً إلى القياديين البارزين فاروق القدومي وهاني الحسن وغيرهما.
وبالنسبة لموقف السلطة في رام الله، فأقول إنّ الإجماع الوطني والشعبي الفلسطيني هو مع حق العودة، والعمل لصالح هذا الحق، ومن يقف على النقيض من ذلك يخرج على الموقف الوطني الفلسطيني.
وهناك من فهم التصريحات الغاضبة من الملتقى على أنها دليل على النجاح في تحقيق التفاف شعبي وفصائلي فلسطيني واسع في زمن الانقسام السياسي، ويعني ذلك بالتالي تحصيناً لحق العودة من مغبة المساس به في مفاوضات متكتم عليها تتناول قضية اللاجئين.