الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون ) الأنفال (24) .
هذه آية عظيمة وجليلة وقف عليها علماء مفسرين أبعادها قال ابن كثيررحمه الله في تفسيره : قال البخاري : استجيبوا أجيبوا ( لما يحييكم ) لما يصلحكم .
وقال : قال مجاهد في قوله تعالى ( لما يحييكم ) قال : الحق ، وقال قتادة : ( لما يحييكم )، قال : هذا هو القرآن فيه النجاة والبقاء والحياة .
وقال السدي ( لما يحييكم ) ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر.....
فهذه الآية العظيمة فيها دعوة لما يحيي العبد المؤمن الموقن بربه وتعلقه بما يحيي قلبه بالايمان رجاءا وخوفا وحبا وانكسارا لله عز وجل وفي حياة القلوب صلاح للعبد الموقن في الدنيا والآخرة ، فالذي يقرأ قوله تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) الآية 35 من سورة الزمر .
فهو يتعلق برجاء وأمل كبير في الله تعالى وما أعده الله تعالى لعباده المتقين من مغفرة ورحمة وما لله تعالى من سعة الرحمة .
والرجاء في اللغة : الأمل ولا حياة للقلوب بدون أمل وبدون امعان النظر فيما لله من سعة الرحمة والمغفرة ، والرجاء لا يتحقق الا مع الخوف لأن القلوب الموقنة بربها تغشاها الهيبة من جلال الله تعالى وهو أحق بالخوف ونستقرأ ذلك في قوله تعالى : ( وخافون ان كنتم مؤمنين ) الآية 175 من سورة آل عمران . ولقد مدح الله تعالى أنبياءه وأولياءه بالخوف في قوله تعالى : (ويدعوننا رغبا ورهبا ) الآية 90 من سورة الأنبياء ، وقوله تعالى (يدعون ربهم خوفا وطمعا) الآية 16 من سورة السجدة ، وقوله تعالى : (ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) الآية 21 من سورة الرعد .
والرجاء والخوف متلازمان ، والخوف بدون رجاء قنوط ويأس وهما كجناح الطير متى اعتدلا وتساويا طار طيرانا تاما ، فتأملوا معي أحبابي في الله كيف يتلازم الخوف مع الرجاء وهما يشكلان شحنة حية لقلب العبد الموقن بربه .
فالذي يرجو ربه ويأمل في سعة رحمته تجده في حذر وخوف وفزع شديد من مولاه وفي قلبه هيبة من جلال الله تعالى وهذا العبد هو الى الخشوع أدنى وأقرب .
والخطاب القرآني يرسخ هذه الحقيقة وأمثالها ، فلا خشوع للعبد ان لم بفقه المعاني الحقيقية والعظيمة في آيات الله عز وجل ووعاها بكل عمق وتدبر والتي هي حياة لقلوبنا وكأنه يبني توازنا دقيقا وعميقا في ذواتنا ونفسيتنا مستشعرين معانيها في أوصالنا وأعماقنا فالقلب سمي قلبا لتقلبه بين يدي مولاه فهو تارة في فرح ومسرة وتارة في خوف واضطراب وتارة في فزع مريب ، وتارة في وجوم وانكسار ، وتارة تجد العبد يصلي وقلبه غير حاضر في الصلاة بينما يجب على العبد أن يستحضر عظمة من يقف اتجاهه لا تأخذه غفلة ناسيا كل مشاغل الحياة .
وما يحيي القلوب هو عقد العزم على الالتجاء الى الله واشغال قلبك به ذكرا ومناجاة واستغفارا وتلاوة لكتاب الله عز وجل وأنت تعرف قدر من التجأت اليه متوجه اليه سبحانه بكل ملكاتك وأحاسيسك فيغذو ذلك عادة لديك ستحبها لأن فيها حياة لقلبك ، والذنوب والمعاصي تميت القلب بينما صالح الأعمال يحيي القلوب وفيه تقرب الى المولى عز وجل ، ففي كل مشاهد ومواقف الحياة لا بد من استحضار المعاني الحقيقية للايمان ، وأنت تتصدق أو أنت تربت بيدك بكل حنو على رأس يتيم ، أو أنت تسارع في قضاء مصلحة لأخيك المؤمن فهذا يجعل القلب يستقيم على الحق ويحيا فتعتريك قشعريرة وأنت تنظر الى عباد الله بعين الرحمة والشفقة ولا تسيء الظنونا فأنت ترى افتقارهم وانكسارهم لبارئهم وأنت تلتجأ الى ربك متقربا اليه بالطاعة ومفوضا أمرك اليه سبحانه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اذا اقشعرجسد العبد تحاتت ذنوبه كما يتحاتت عن الشجرة اليابسة ورقها ) رواه الطبراني عن العباس ، وأورده السيوطي في مجمع الأحاديث : (حديث رقم 1066 )
أختكم / نبض الحماس